الصحوة العربية التي لا تعرف الهزيمة ولا الاستسلام

ان الجامعة العربية تضم تحت لوائها اتنين وعشرين دولة عربية تعرف معظمها احداث خطيرة وانزلا قات كثيرة في خضم التحولات الجذرية التي تثقل كاهل الحاكم والمحكوم العربي، ما لها وما عليها من تداعيات ماسة لانتزاع تغيير تنموي وحقوقي شامل وكامل، وكل هذا يتطلب تهيئة واسعة واستعداد جاد لخوض معارك التغيير العقلاني الذي يتطلب الكثير من الايمان ويحتاج الى الوعي والصبر والعزيمة والدماء الغزيرة.
 
 كثلة تتقاسم اللغة والدين والثقافة والمصالح القومية المشتركة، لعبت دورا أساسيا على مسرح التاريخ العربي والعالمي، أمم تتشارك في المحن والصراع في التقسيم والقهر والظلم الجماعي ما من سبب إلا انها اخفقت في اختيار ولاة أمورها على هرم اوطانها. 

 حكام اخضعوا الجماهير،ثم وضعوهم أمام مغريات جعلتهم يغفلون عن واجباتهم القومية حتى خسروا المعارك فتحطمت الذوات تحت جحافل القهر والباطل التي لم تعد تتكيف لامع البيئة السائدة ولا مع العصر الراهن ولا مع الظروف الطارئة، وبالرجوع الىالوراء القريب نجد الأوطان قد رزحت تحت وطأة الاستعمار الخارجي فعرفت سنوات عجاف وآنيا تئن تحت رحمة استعمار داخلي يتجلى في ولاة طغاة فرضوا السيطرة على كل الجبهات فتمادوا في تقديم نظرياتهم العقيمة ونشروا الرعب والخوف في النفوس وألزموها الخنوع والخضوع، ثم التبعية والولاء لشعار "عاش الملك، عاش الرئيس ".  

ملوك ورؤساء ذوي نفوس خبيثة وضمائر متصلبة وقلوب متربصة وأرواح مولعة بالتقويض رواد الدهاء والحيل، الخداع والمكر، تسللوا داخل قصور فاخرة واستحوذوا على كراسي ذهبية، وانطلقوا في الفساد وسلب الخيرات فعطلوا قطار التنمية فساد الفقر وكثرت الجريمة وأصبح التناحر من اجل لقمة عيش مريرة، هدف منشود تسعى وراءه جماهير مستضعفة افقدتها قدرة التركيز على المتطلعات المستقبلية والتبصر بما يدور من حولها، فاكتفت بالجهاد من اجل الاستمرارية في الحياة ولو دون كرامة. 

كرامة وشرف نصت عليها الكتب السماوية، قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاًِ ) الاسراء /70
سبحانه وتعالى فضل الانسان وكرمه وشرفه ،فما بالكم بسلاطين خالفوا  أوامره وعصوه، فكرامة الانسان من كرامة السلطان التي تقتضي احترام  إنسانية  الانسان، وكل النصوص السماوية تحث المسلم على التمسك بقدسية الاسلام دينا و فكرا وتحثه على الوحدة وما تقتضيه التكتلات البشرية التي تجتمع على المصالح  المشتركة  والتي لم تنكر ابدا على المسلم ولاءه لعقيدته ولن تنكر عليه ولاءه ايضا لقوميته فلا تعارض بين ايمان الفرد لدينه وإيمانه بانتمائه لقوميته. لكن كثيرا ما يتزحزح هذا الشعور أمام أحداث جسام او امام قوى معادية فيضطر الفرد للتنازل عنها وفي حالات مختلفات كالخوف والضعف، عند الحاجة والاحتياج أو بسبب الطمع  والجشع ومن أجل تحقيق هدف أو مصلحة أو حين يوضع الانسان وجها لوجه أمام شعور غريزي  لحب الذات فينشب الصراع وغالبا ما يتغلب جانب الاثارة على جانب الاثرة خصوصا حينما يقف اعزل امام قوة فرعون غير مسؤول هنا يطبق المقولة بحذافيرها " ساعة الجوع اجوع لو حدي وساعة الموت اموت من اجله "  فما كان يستثير كرامته ويقلق منامه ويوجع قلبه قد يراه تلك اللحظة أمراً مستساغاً وطبيعياً لا يهز أي عاطفة منه ولا يؤرق نومه او يشطن ذهنه. 

 لكن الانسان خير من طبعه  وله ارادة صلبة تتمخض  عنها قيم تشحن نقطة البدء ثم الانطلاقة التي تبطل كل العوائق والمؤثرات التي قلبت كيانه وتفكيره فيصبح ما قد كان مألوفاً عليه وطبيعياً متماشيا مع وجدانه وكيانه أمرا مثيرا مستفزاً لحواسه ومؤلماً لكل جزء من جسمه فينقلب كيانه وتفكيره وتنقلب معهما كل الموازين التي تؤهله للانتفاضة الخلاقة التي لا تتقيد بالظروف والملابسات فتخضعه لصوت عقله، آنذاك يبحث ويمحص ثم يوضح موطن القوة والضعف فيظهر الصواب والخطأ، الحق والباطل ليصل في الاخير الى بر الصواب والصدق. فالإدراك ولو بعد سبات عميق في دهاليز الاستغلال أساس علم المنطق الذي يضع قواعد المعرفة والتفكير لاستنتاج الخلاصة الصحيحة.

  فلا كرامة للشعوب إلا بالتمسك بقوميتها ودينها لأنهما وجهتان لا ينفصلان لهوية وحضارة واحدة حتى وان ظل هذا الشعور نائما لحقبة طويلة ، فحتما سيشحن ويتعبأ في اللحظات الحرجة التي يتعرض فيها  الوطن للعدوان او الاعتداء وهنا يتجلى الايمان القوي بالقومية مبدأه الفكر والتضحية بالذات  التي ترفع اقصى درجات الغيرة على الوطن وهي نفسها التي تدفع الفرد للتضحية الشاملة كأنه يفعل ذلك من أجل ملكه وعرضه وأطفاله. 

نكسات قوية عرفها العالم العربي وشر ابتلت بيه الشعوب، فالحروب فتكت فتكها الذريع وحققت الدمار والهلاك وخير مثال العراق ،أفغانستان،فلسطين ولبنان وما آلت  اليه انتفاضات التغيير كما هو الحال في ليبيا واليمن وسبقتهما مصر وتونس وستلحق بالمجموعة سوريا، الأردن، البحرين، الجزائر والمغرب الخ، كل هذا جعل الجماهير تعود  من بعيد ، تعود الى الأصل والهوية العربية الحقيقية، فوحدت الصفوف والكلمة تحت مظلة الاسلام والمصالح القومية المشتركة التي سنطلق كالإعصار المدمر الزاحف على المستعمرين الجدد اصحاب الألفاظ والشعارات الواهية التي تتشدق بها حكومات تابعة ذات عقول مجردة ما دامت مصالحها الفردية آمنة وكراسيها الذهبية قائمة فلا مانع ان اطلقوا العنان للرصاص الطائش الذي يزهق ارواح الابرياء ويخترق اللحم البشري ويترك وراءه جبال من الشهداء والثكلى واليتامى....  لا ذنب لهم إلا انهم قضوا لإشباع رغبات  حكامهم ....انه لضرب من الجنون حين يتكالب الولاة على الشعوب.

 حكام انتهكوا الحرمات وأهانوا المقدسات حفاظا على عروش السلطة حتى لو قايضوا بمستقبل اوطانهم وخيراته  وأباحوا حرمة المواطن وكرامته وهذا جزء مما فجر عند الكثير الاستجابة لعوامل داخلية وخارجية، عقائدية وإنسانية، اقتصادية وتنموية، سياسية وثقافية، فتمخضت عنها شرارة عملت على النفخ في روح الانتماء والولاء الذي اعاد بدوره النبض القوي الى العروق الجافة، ليصبح حقيقة موجودة حاضرة بقوة على ارض الواقع وبهذا لن تأخذ منها تلك الدعوات الفاسدة التي يزخرفها السلاطين والشعارات المخادعة والمضللة التي تعري سذاجة الفكر والعقول الحائرة  إلا ان المواجهة اليوم على صعيد الفكر والنفس والمشاعر والأعمال والسلوك ذلك الزخم القوي الذي لن يتمكنوا من سلب اصالته ولن يبعدوه عن جوهر مطالبه والذي لا يعرف الهزيمة ولا الاستسلام عند اول حاجز. 

 انها الصحوة العربية الاصيلة التي حملت على عاتقها محاربة الفساد والمفسدين حتى لو كانوا على رأس هرم السلطة ، انها الذراع الصلب في وجه الطغاة ، انها الثورة التي تبعث الشعور بالقومية بعثا جديدا وجادا، تهيئ طريق الاصلاح، انها التعبير الخالص عن طبيعة الوجود القومي العربي. انها التضحيات والبطولات المجيدة الواقفة وجها لوجه امام الواقع الحديث لينتهي ذلك اللقاء الى الايمان الفكري الذي يقوم النفوس والذي لا يتجزأ من تكوين المواطن العربي داخل مجتمعه. 

يبرز هنا دور الشعوب الواعية فالأوطان تنتظر منها تلبية نداء العروبة المنبعث من المحيط الى الخليج، لتضع  أقدامها على عتبة الخلود وترتشف من كأس الحداثة الليبرالية  الديمقراطية المتقدمة التي تقوم على مبدأ المساواة وتكافئ الفرص على تحقيق العدل والحق الذي اصاغ الفكر العربي  شعاره قدح زناد العقل لتطأ اقدامهم الحقيقة المطلقةوالمجردة والتي تتجلى في مصالح الأوطان والشعوب. 

فالحركات الشعبية وتوراتها مكنت من زرع بذور الحرية والعدل والخير وهي الدعامة الاساسية التي تقوم عليها كل القيم الأخلاقية، لهذا نجد المجتمع العربي له من القوة والفاعلية ما يمكن اعتباره تيارا حقيقيا يسعى وراء  الحريات العامة التي تعد احدى القيم الكبرى والتي تصبو اليها الانسانية وما لها من دلالات عظيمة في كل المجتمعات الحرة، تتجلى في التحرر والتطور والتقدم والاستقرار وتوحد  الغايات في تكتل رئسي ومتجانس  بضم جميع وحدات الجماهير التي تحفظها بوحدتها وكيانها لتصبح تلك القوة الفعالة التي لا تتحلل من القوانين والالتزامات كي لا تصبح تلك الحرية مجرد فوضى. 

ان كل المجتمعات تنظمها قوانين وواجبات تفرض على كل فرد من افراده ان يرتبط بها حتى لو كان سلطانا، لأنه مطالب بالتمييز بين الخير والشر، بين العدل والظلم حتى لو كان متمتعا بالحرية الكاملة فالواجب وما تحمله هذه الكلمة من معنى يفرض عليه الالتزام بضبط الأمور وأداء دوره العادل كي يحقق انجازاته على الوجه الصحيح الذي يحقق بدوره المنفعة التي ينشدها لنفسه ومن تم لجماهيره. قال النبي صلى الله عليه وسلم تسليما " إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسًا إمام عادل، وإن أبغض الناس الى الله يوم القيامة وأشدهم عذابًا إمام جائر". الترمذي، ولقولــه سبحانـه " يا أيها الذين آمنوا  أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم « النساء 59 

وحين يفقد الحاكم صلاحيته اثر الاخلال بواجباته أو العجز في صلاحياته  أو التقصير  وجب عزله كما حصل في بعض دول الاثنين والعشرين  فمسؤوليته مسؤوليتان الاولى امام الله عز وجل والثانية امام رعيته قال الله تعالى " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا"   الكهف 28

وفي الأخير ان الشعور القومي هو المحرك والمحرض لوعي  الجماهير والإسلام كفل للأفراد حق الأمن على النفس والمال  والعرض. والحرية في الاسلام  تقوم على اطلاق الحرية للأفراد في كل شيء ما لم تتعارض بالدين والحق والخير والمصلحة العامة وما يكون فيه الضرر مؤكد يكون محرما. وهذه الحرية هي التي ساهمت في تغذية يقظة الثورات العقلانية الزاحفة  على الانظمة العربية الفاسدة و شقت طريقها صوب التغيير والإصلاحات المنشودة