إن باب مناقشة موضوع عمل المرأة في المهن الصعبة أصبح مفتوحا على مصراعيه أمام الإخفاق الاقتصادي والتدهور الاجتماعي ولن يغلق مادام هناك جناح معارض وآخر مؤيد ولكل منهما أسبابه.
اقتحمت المرأة العربية بسبب الظروف القاسية سواء منها الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية مجالات عدة، لم تكن تخطر في البال حتى وقت قريب، لكن خلال السنوات الأخيرة شاهدناها وهي تغزو فضاء بعض المهن التي كانت حكرا على الرجل، فئة تعتبرها إصرار وتحدي واعتداء على حقوق الرجل وأخرى تعتبرها مجرد فرصة عمل كمثيلاتها يجب استغلالها مهما وصلت ذروة قسوتها.
تعود النظر وألف رؤية المرأة وهي تعتلي كرسي القضاء والمحاماة والتمريض والهندسة والتعليم والفضاء واثبت وجودها كذلك في مجال المهن الحرة على اختلافها والإدارة والسلك الدبلوماسي والسياسي الخ لكن أن نراها تمتهن بعض المهن المثيرة للجدل أمر قد يكون مرفوضا وعليه الكثير من التحفظات، وظائف ومهن تتعرض فيها المرأة ألإنسانه الحساسة التي تتأثر بكل المظاهر كالفقر والبؤس والحرمان والعوز والتخلف والظلم والأوضاع المزرية والآثار السلبية المهينة وتبعاتها كالانتهاكات الحقوقية والجسدية والنفسية التي تنقص من كرامتها وإنسانيتها والتي لن يقبلها الفكر ولا الدين لما تلاقيه فيها من مشقة وأذى.
فبائعة السجائر بالتقسيط، وحارسة السيارات في الشوارع، وحارسة مر آب السيارات ليلا ،والعاملة في ورشات البناء وتلك التي تمد البنايات بتجهيزات الكهرباء والتدفئة والتكييف، والأخرى في ورشات الحدادة واللحام والألمنيوم والميكانيكية ومصلحة السيارات والشاحنات، والمجندة التي تحمل السلاح ، والبائعات على الأرصفة والطرقات العامة ، وفي المقاهي والأماكن الأخرى. معادلة خيالية وظروف مزرية من اجل توفير لقمة عيش وسد رمق أسرة بأكملها.
على سبيل المثال فالمرأة المجندة تحمل سلاحا بوزن الأثقال، تجري وتقوم بحركات تدريبية على التراب وسط الغبار والأوحال وفي الأماكن الوعرة، وتقف أمام خط النار في ظروف وعرة تنهك قواها وما لها من مؤثرات وما لها من مدى، نحملها أكثر من طاقتها انطلاقا من التدريبات الخشنة إلى المسؤولية الصعبة والتي قد لا يتحملها حتى الرجال الأشداء الأقوياء. ألهذه المهن خلقت حواء وبهذا أمرنا الله ؟؟؟
اجل لا يوجد أي قانون يقف ضد عمل المرأة وهذا أمر جميل ورائع لن أن يوافق لها القادة والمسؤولين وولاة الأمور و المجتمع بالمهن المهينة وجلهم راضون عن شغلها ماداموا مطمئنين على رتبها و دخلها ومساهمتها في اقتصاد البلد و التكفل بالواجبات لكنهم غافلون عن الأذى عدو الحياة الإنسانية والتي لا زالت ترزح تحت هجماته القاتلة حتى الآن.
إن لغة الواقع تشير إلى أن المرأة العربية غزت جميع المهن مهما صعبت لكن بعضها ما فتئت تمتص معنوية هذا الكائن الحساس وتقضي على كيان عماده، وها نحن نشاهد أوضاعها تتجه من سيء إلى أسوأ ومعاناتها تتفاقم كل لحظة ومدى انعكاسها على حياتها وصحتها ومستقبلها لأن فجوة الفرق كبيرة التي كشفتها نتائج تلك المهن المهينة التي لا تنسجم مع طبيعتها الفزيولوجية والسيكولوجية رغم حضورها الدائم وللافت والسمة التي تمتاز بها في الحركة والعطاء والإنتاج لأنها حين تصوب على الهدف يعني ذلك أنها عزمت على بلوغه مهما كلفها ذلك، مما جعل الأبواب الموصدة تفتح أمامها في شتى الميادين والمهن دون مراعاة ظروفها ولا من يحمل همها ويسأل ويتساءل لماذا حققت المراة العربية كل هذا التفوق والنجاح وهي صابرة متابرة حتى يؤول بها الحال لتأكل لقمة عيش مريرة ممزوجة بالدموع والألم من اجل إعالة أطفالها وتمكينهم من سبل العيش البسيطة وها هي لازالت تواجه تيارات الحياة الجارفة من اجل ضمان الحياة واستمرارها بنفس الوسائل النافعة والشريفة مثل ما يضمنها أخوها الرجل ولو كانت بطرق قاسية ومهينة.
جل البلدان العربية والإسلامية تعيش في الوقت الراهن مأساة شاملة إذ تمر بمراحل جد صعبة وأمامها تحديات جسام اثر الحروب المتعاقبة، والصراعات المسلحة والظواهر الطبيعية والمآمرات الخارجية والداخلية وما يعقبها من نهب الثروات وتبديدها مما دمر الأوطان والآمال ونخر أساس المجتمعات ونشر ونثر المزيد من البؤس والظلم والعذاب فتضرر الاقتصاد والقانون والثقافة والأخلاق والقيم والطموح، فنجد جل القطاعات الحيوية مهمشة بالجملة ولدت معها جماهير تحت سقف القفر والعوز والحرمان، إضافة الى هذا حقبة الألفية الثالثة التي أطلقت عنان حمولتها الثقيلة على كاهل المرأة كالعديد من الصعاب والتحديات، ورغم كل ما سبق ذكره فهي دائما تطلع للتغيير بأمل لأنها لا تملك إلا إياه، ولأنها تطمح أن ترجع الأمور الى موضعها الطبيعي بينما هي بين ظالم لها ومعتد على حقوقها وبين متملق لها، تأمل أن تتحرر الأوطان من رقة الاحتلال واختلال قواعدها وتعود الأمة العربية كما كانت عليه من قبل محررة أراضيها وشعوبها من التبعية والاستغلال والخوف والاستبداد الذي سلط عليها، آنذاك تكتمل الوحدة أرضا وشعبا وحقوقا.
حتى الثقافة العربية لا تقبل دخول المرأة العربية مضمار المهن الصعبة التي لا تناسب طبيعتها، وقوانين الشريعة الإسلامية وضعت من اجل حمايتها وصونها ولو أن بعض الجهات يرون في عملها الشاق نقط أكثر ايجابية ما دامت تدر دخلا تساهم به في الالتزامات والمسؤوليات ومن هنا ندرك أبعاد القضية دون تسييس للموضوع أو اتخاذ بعض الذرائع كحجج لأن المراة أينما وصلت فطبيعة تكوينها من الجنس الناعم لا حاملة أثقال وأوزار. فمن الأسى والعار السكوت عن أوضاع المرأة العربية وظروفها ونعرضها للمزيد من الخطر والإهانة ونحملها ما لا طاقة لها به نيابة عن المعيل وولاة الأمور والدولة نفسها.
آن الأوان كي نقوم بمحاسبة أنفسنا أفرادا وجماعات، يجب أن لا ننخدع للمظاهر، فالاقتصاد العربي الهش له اثر كبير في تكوين وإبراز جل المظاهر، إذ يتوجب العمل على تغيير النظام الاقتصادي وإنشاء المزيد من القطاعات الإنتاجية الفعالة، لنمر بسلام من هذه المرحلة الانتقالية والانقلابية المضطربة بما تحمله المسؤولية من تضامن وتكافل وعون ، لأن القواعد تتغير من أساسها والحياة ليست بالسهلة كما نزعم ، علينا كذلك الخوض بكل صدق وأمانة في غمار التحديات من اجل القضاء على الطفيليات المهلكة كي نعبر لضفة أخرى ومرحلة أخرى مع تحقيق التوازن المطلوب مرفق بالثوابت اللازمة التي تدعو لتحسين حال المرأة العربية وإعطائها الثقة التي هي أهل لها كي تبني بدورها مستقبل امتنا على الأسس الصالحة والمفيدة.
صباح الشرقي
16/8/2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق