ها نحن اليوم نقف على مشارف أعتاب الألفية الثالثة ونقف كذلك عند مجمل الأحداث والوقائع التي واجهت عالمنا الإسلامي فوجهت مصيره للأسوأ بسبب مفعولها الذي لا زال يؤذي العباد بصفة مباشرة أو غيرها ، فالمسلمون يقفون حاليا في مأزق تاريخي وإنساني وسياسي واقتصادي وأخلاقي لا يحسدون عليه، سيما أمام مهرجان التغيير والحداثة والتطوير الذي غالبا ما يجبرهم على تحمل الأضرار بصمت وبدون أدنى مقاومة.
الشواهد عديدة ولنتناول منها كمثال حي أزمة الغلاء التي عصفت بحياة المواطنين عموما وذوي الدخل المحدود في المنظومة الاستهلاكية خصوصا لأنهم هم الأكثر تضررا، فاختلال الموازين التجارية والإنسانية منح للقوة المدمرة صلابتها في تحويل هيكلة الاقتصاد العالمي ومن ثم في شحن أذهان العباد لأن بعدها البشري وعبئها الواقعي جعل المواطنين غير قادرين على مواجهة حرب تدمير البطون ومواكبة صيرورة الحياة خصوصا أمام عجز أولياء أمورهم من احتواء الأزمة الجارفة لحق الفرد على وطنه أو التصدي لها من خلال خلق منظومة واضحة و محددة من التشريعات ذات الأهداف الأصلية التي تحمي الفرد من الجوع وتقيه من الانحراف وتؤمن له ولنسله حياة كريمة بل تخدم مصالحه والأهداف الإنسانية في وقت عصيب.
لقد بلغت الحضارة الإسلامية أوجها في الماضي وامتدت خارج حدودها واخترقت الصعاب بفضل ذكاء رجالها وصدى أفكارهم العامة الفعالة الناجعة التي جعلت تاريخ المسلمين مليء بالبطولة والانتصار والمواقف الحازمة نقيض ما نلمسه اليوم من تخاذل وانبطاح وتبعية وفساد حتى أضحت الجماهير في حيرة على ماضيها المجيد وحسرة على حاضرها المرير الفاقد للأمن والاستقرار الخالي من الغايات الإنسانية التي تضعف الأمل في تحقيق وضع أفضل مما هم عليه في الوقت الراهن.
أصبح كاهل الأمة مثقل بالأعباء ورقعة الفقر اتسعت والاحتجاجات تضاعفت والانفعالات تعددت والجريمة انتشرت ومهرجان الفساد شاع وطفا بريقه، سيما أن الطبقة الفقيرة هي التي تؤدي دائما الثمن وأي ثمن؟ تعرضها الدائم لشتى المخاطر خصوصا أمام انعدام الأمن الغذائي ولأنها هي فقط التي تنفق دخلها بالتمام على بطونهم.لهذا وأمام هذا الوضع الشاذ أصبح أصحاب القرار مطالبين بعدم التكهن بمستقبل غير محسوب لمواطنيهم ولابد من أخد الحذر والتمييز الفعال وعدم الخلط في سياسات تجهل الأسباب الجذرية للأزمة وتؤدي إلى أهداف غير متوازنة بل غير موفقة تغير حتما مجرى المصالح العامة والإنسانية والتي لا تحقق أي قيمة حقيقية للفرد داخل مجتمعه بقدر ما تساعد على استفحال توجيه السهام المغموسة في السموم الفتاكة مباشرة إلي صدور المعوزين
إن المنطق الحصيف يدعو اليوم أكثر من ما مضى جل الساسة الطاغية للعمل والبحث عن تدابير فعالة تؤمن العباد من خطر داهم يأتي على الأخضر واليابس، أن توفر جسورا للعبور عبرها إلى بر الأمان فسلامة البشرية مستهدفة والفخاخ منصوبة والرياح المعادية عاتية، والموالاة مع الأعداء واضحة، وسوء النية مبيتة تزج إلى الاقتتال داخل أمة واحدة تدفع حتى الزعماء للتناحر فيما بينهم من أجل حفنة من المطامع أو سلطة ضيقة، علينا جميعا الاستفادة من المشهد السياسي الراهن خصوصا ذلك التمزق الحاصل بين ثنايا الأمة الإسلامية من اجل استئصال الإسلام والقضاء على المسلمين.
هل حقيقة الغايات الإنسانية النبيلة في طرف الحداثة وجدلية التغيير أصبحت تفرض على الجماهير التطلع للأعداء ؟ وتأمل من الخصوم أن يصلحوا ما فسد حالمة ببريق تفاؤل مفقود؟ وهذا رغم اقتناعهم بأن هؤلاء حتى وان مدوا أيديهم ستكون أيادي مكر ومذلة وغدر بل سيتحينون الفرض للانقضاض عليهم والفتك بهم والتخلص من ضجيجهم للأبد.
إن الواقع يرفض وضع الأمة الإسلامية المتأرجح، فأولوية الشروط التي تفرضها طبيعة تجويع البطون وتفريخ الجيوب في مرحلتها التاريخية الحاسمة سيما أن الحضارة الإنسانية واحدة اليوم وإنسانيتها هو ما يجب أن نثابر من اجله حفاظا على سلامة وجودها من خلال تدبير حكيم ، فعال، مكثف وصحيح وهذا مرهون بوضع خطط تحدد المتطلبات بمنطق المسؤولية وبدعم قوي لكل الشرائح المتضررة حفاظا على صيرورتها وسلامتها ووجودها لكي يتمكن الجميع من مواكبة الإيقاع الذي فرضه التحول الاقتصادي الكبير الذي يشهده العالم.
كتبها صباح الشرقــــــــي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق