13‏/09‏/2009

الواجب يحتم التفاني



ترعرعت زهرة في كنف عائلة فقيرة، حيث انقطعت عن الدراسة وهي في السنة الثالثة ابتدائي، تلك

الفتاة بقامتها الطويلة المائلة إلى النحافة ووجهها الأبيض وعيناها العسليتين الضيقتين وشعرها الطويل

ملت من إعداد الطعام لإخوتها وأمها العجوز العاجزة والاعتناء بكل فرد من عائلتها الصغيرة.


لم تستطع زهرة أن تحيى الحياة التي رسمتها في مخيلتها والتي تروق لها وتتمناها بشغف إذ أصبحت

تشعر بالكآبة والحزن يعتريانها جراء ظروف أقوى من القوة، و عوز اكبر من الظلم حالتين كفيلتين

بتدمير آمالها مثلما طحنت أحلام شريحة كبرى من أناس أمثالها والتهمت طموحهم رغم قتالهم

ومقاومتهم من أجل الصمود أمام وجه هذه الطامة الكبرى.


بعد استراحة هدوء و تفكير وجدت عزائها الوحيد في أسرتها المتماسكة ، وفي أفرادها جمعاء الذين

يجودون بأكثر ما يقدرون عليه وعن طيب خاطر رغم البؤس و الألم الذي يكلف التضحية في النفوس

ولو أنه ليس منالا يسيرا .

ذات مساء أحست بطعنة تصيب فؤادها فصرخت في هياج وانفعال وتمنت لو أنها أكملت دراستها

كأمثالها من الفتيات خصوصا حين وصل إلى مسمعها التحاق أختها الصغرى بوظيفة ولمست فرحة

العائلة وسرورها ، توجع قلبها وشابتها مرارة الخيبة وتنهدت في ضيق وقنوط وتعجبت للقدر ولحظها

الذي أبى أن يمنحها الفرحة بل زود حصتها وخلق لها المتاعب الذي علمها الدهر من الصبر ألوانا .


وبعد خلوة قصيرة، عادت زهرة إلى مكانها وسط إخوتها وأمها محاولة رسم ابتسامة على شفتيها

الجافتين اثر الحالة التي أصابتها والألم الذي الم بها وبلغ ذروته ، فخاطبت أختها سعاد

المدللة بصوت متحشرج قائلة أنها ترى الواجب غالبا ما يحتم التفاني وقد جاء دورها لتقدم شيئا

لهذا فهي مطالبة بالإخلاص و العطاء في وظيفتها حتى لا تفلت منها الفرصة وقد تكون إلى الأبد،

تقدمت بخطى ثابتة صوب سعاد وعانقتها بإشفاق وحب وحنان، أجل يا صغيرتي من الآن سوف

تقاسمينا نفس التضحية رغم الظروف ، لهذا لا تنسي انه ليس ثمة حاجة إلى تنبيهك لكن أحب أن

يكون كلامي تذكير لأننا سنظل في أمس الحاجة لرعايتك وعطفك.

ليست هناك تعليقات: