03‏/08‏/2007

 وقائع فاصلة في حياة إمرأة



وجدت نفسها ذات ليلة ضائعة وسط عالم غريب ... فجأة سقطت في زحمة المواقف المنسية، كل شيء تغير بحكم العمر والخبرة... تساءلت في خوف وقلق !!! هل من حقها استرجاع ذكريات الماضي ؟؟؟
لحظة تأمل قصيرة رأت فيها ما صنعته السنون بها والتي حملت في مسيرتها الكثير من السعادة والأمل، الكثير من الآلام والعذاب، غزى شريط الذكريات فضاء ذهنها المتهالك، حتى كشف عن سفينتها التي أبحرت إلي أعماقه وها هي عائدة منه بحمولة ثقيلة من ذكريات الصبا التي تمنت لو لم تعرفها قط ،،، ألا يكف الشعراء عن وصف الحياة بجمال القمر بعد الذي عرفوه عن استحالة العيش على سطحه ؟؟؟

ذكرى قد تبدأ بخيط وقد تراها كالطيف، لكن الصورة تلبث أن تتكرر وتستقر على عرشها في حنايا ذاكرتها على مر الأيام والسنين عندئدن فقط تجدها قد نحثث أخاديد عميقة في ثنياها.

ككل صباح كانت الطفلة المدللة تتناول فطورها في أحضان أمها الحامل في أسبوعها الأخير، لكنها فجأة انتبهت لأنينها ،،، كانت تعتصر من شدة الألم وهي تحاول جاهدة إخفاء تلك الملامح عن صغيرتها كي لا تتألم بدورها ، لكن خلال دقائق معدودة ارتجفت تماما كالطير المذبوح، سرت رعشة قوية في جسدها، هاهي تتأرجح الحبيبة أمام عينيها بين الاستسلام والمقاومة والأنين والصراخ، لم تدرك الصبية آنذاك ماذا يحصل ،،، تساءلت ،،، أ هكذا يكون احتضار الموت ؟؟؟
لم تنطق بكلمة واحدة وسط أمواج الخوف العارمة، لأنها كانت تدرك أنها تعيش في قرية نائية بحكم وظيفة أبيها المدرس في إحدى المدارس البعيدة عن
مسكنهم،عشر كيلو متر كان يقطعها الأب كل صباح ومساء على دراجته ، لا معين إلا الله وحده.

أمها الحبيبة كانت تراقبها رغم ما هي فيه من صراع مع الألم ، شاهدت الدموع تغسل وجهها البريء والخوف كاد يفقدها توازنها، فأمرتها بحدة قوية مغادرة الغرفة إلي الحديقة الخارجية كي تعتني بدجاجتها وأرنبها المفضلين ،،، استجابت الصبية للأمرعلى الفور، لكن عينيها تعلقت بمحبوبتها وأبت أن تغادرها وظلت تراقبها من شق الباب،،، حتى خطف بصرها مولود ثاني يخرج من باطنها المضيء ...آنذاك فقط اكتملت الصورة في ذهنها
ظل الشعور بالخوف المدمر يلاحق الطفلة بعدما تولدت في نفسها عقدة ظلت تلازمها حتى حين أصبحت زوجة وربة بيت، ،، وجدت نفسها أمام تحديات حقيقية وكثيرة وجد صعبة تتطلب منها ثقابة الفكر وسعة الصدر والإدراك السليم كي تستطيع النجاح في تجربتها الشرعية ، والفوز بقلب زوجها من خلال إسعاده والسهر على راحته ورعاية عشهما ومتطلباته، لكن أمام كل هذا ظل حسها الباطني يرفض بشكل قاطع تجربة الأمومة بشتى الوسائل، المتاحة والغير متاحة كي لا تعيش تجربة أمها،،، لم يجد الزوج في ذلك حرجا أو انتقاصا لرجولته وكرامته فهو زوج ناجح استطاع أن يتغلب على بعض جوانب التحديات التي واجهته في زواجه بمن عشق قلبه وأحب .
انقضت سنوات طوال تحت سقف واحد دون إنجاب حتى شاء القدر أن يكشف السر، وتكتشف الزوجة بدورها نظرات العتاب القاتلة في عيني من قاسمته كل شيء إلا طفلا يحمل اسمه ، رغم أن غريزة الأمومة هي أقوى الغرائز على الإطلاق وان اهتمام المرأة بحملها ووليدها يفوق اهتمامها بنفسها وجمالها وربما يقضي حتى على خوفها إلا أن صورة الماضي تركت الهواجس فأفسدت عليها متعة خوض في التجربة وبالتالي إسعاد نفسها وشريكها والمقربين

أصاب الزوج الإحباط وخيبة الأمل والرجاء،،، بدأ يتطاير منه الشرر وأصبح كلامه كطعنات السكين بل تغير رأسا على عقب ،،، حتى انفجر غضبه ذات صباح ،،،
إليك حبيبتي آخر الكلام،،، سأجن إن لم أكن جننت بالفعل خصوصا إن ظل سقف واحد يجمعنا،،، أنت طالق ،،، أنت طالق ،،، أنت طالق ...يا من كانت كل شيء في حياته وفضلها عن نفسه ونسله لكنها خدعته بسهولة وبراعة متناهية
كان كلماته كابوسا قاتلا بالنسبة لها ،،، انتفضت دموع الطفلة الهشة الخائفة التي لا كانت لا تزال قابعة في الأعماق و التي لا يعرف احد بحقيقتها ولا بمشاعرها ولعل هي بنفسها لا تعرفها رغم أنها تدركها.

ما هي العبرة من هذا الموضوع:

أصبح الإنسان يعيش اليوم في عالم ملئ بأسباب الخوف والقلق والتعب النفسي، كلها أمراض لازمت حياة البشرية المضطربة التي أصبحت طابع هذا العصر، حياة سريعة نحاول اللحاق بها وكأننا معها في سباق لا ينتهي، لكن نستطيع أن نتعلم كيف نميز بين الأسباب الحقيقية التي تدعو للخوف والقلق والاضطراب، نستطيع أن نفرق بين الأوهام والتخيلات التي تأجج مخاوفنا بلا مبرر، نستطيع أن ندرك متى يجب أن نشرك معنا الأهل والأصدقاء المقربون بل لا بد أن تكون لدينا القدرة من الذكاء والحكم السليم على المواقف، ومتى يجب الاحتفاظ بها داخل نفوسنا، ومتى يجب الإفصاح عنها.
فالبوح بالمخاوف يقلل من حدة التوتر الذي يشعر به الإنسان ، لأن الخوف الكامن في الدواخل لا يقوم أبدا على أساس الخطر الحقيقي الذي قد يهددنا وإنما يكون خوفا قائما على أساس خطر مرتقب أو متوقع غير مرئي، وقد لا يكون له وجود أصلا إلا في المخيلة.
صباح الشرقي 27/6/2007

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

الأخت صباح الشرقي
مدونة جد جميلة مبروك عليك
دائما في الطليعة
بكل الود اخوك أمين المرابطي