12‏/09‏/2008

الشك أداة الجريمة



ظن بها الظنون بعد زواج دام عقد من الزمن،اعتقد يقينا أنها انكرته وجحدته فنسي
طعم الراحة وبدأ يبحث وينقب، اعتقد أن زوجته منشغلة عنه بأمور غامضة وغيابها
الدائم في العمل واضح بين لا يعوز الدليل। فهذه الزوجة المتحجرة الفؤاد أهملت
أمره بين مطالب الحياة الصعبة،وأحس انه غير مرغوب فيه مادام عاطلا عن العمل
ولم يعد يصلح لشيء ففكر في كل شيء الا في نزاهتها وجديتها وتفانيها في الكد من
اجل لقمة العيش، لم يخطر في باله أنها تتعب من أجله ومن أجل راحة أطفالهم
ومسؤولياتهم التي لا تتوقف ومن اجل مطالب الحياة ومستلزماتها .

لم يكن هناك شيء بعيد عن مخيلته وتفكيره إلا هذا لم يكن يمقت شيئا أكثر من مقته
للحظة عودتها من الخارج منهكة ।بالكاد تلقي التحية على الجميع فتتولى على الفور
مسؤولية الأعمال المنزلية من تنظيف وطبخ وغسيل الخ ورغم كل هذا العناء لم يزد
قلبه إلا تحجرا حتى افقده كل خلجة حب أو رأفة بهذا الإنسان الضعيف التي تسمى أم
عياله وتقاسمه الحلو والمر।

ذات يوم تسلل إلى غرفة النوم مستخفيا حتى لا يشعر الأطفال بمقدمه وقد افلح بامتياز
في ذلك بل اطمأن قلبه إلى أن العيون سهت عنه والآذان لم تسمع خفق حذائه الرياضي،
جلس وعقله شاردا وفؤاده حيث الانفعال والمهيج ، ثارت شجونه وفكر في الجريمة ولم
يشعر بذرة من الخوف أو التردد لأنه لم يتسنى له التفكير فيما هو قادم على فعله.

عادت الزوجة من العمل مرهقة كالعادة مباشرة على غرفة النوم لتغيير ملابسها والالتحاق
من جديد بالمطبخ فمزق الفضاء صوتها وبأسرع من ومضة البرق طعنها عدة طعناة في
جسدها فخار ما تبقى من قواها وسقطت على الأرض متدحرجة في الدماء جثة بلا حركة
ولا روح ، أما هو فشعر بالهدوء والراحة رغم علامات الندم والاشمئزاز التي بدت واضحة
على تقاطيع وجهه।

برقت عيناه على ارتفاع صراخ الأطفال وإذا به يقهقه ضاحكا حتى بدت نواجذه وتارة أخرى
اذرف من عينيه الدمع الهون وزفراته لم تنقطع ، أساريره فضحت بطشه وجبروته ، نظر
لوجهها الوقور وهي ملقاة على الأرض جثة هامدة ، ووجهها ينم بالاحترام واللطف ،
أجل تفحص عينيها الكبيرتين قد تكون لأول وآخر مرة والتي أزهق بصر هما وألم الحياة
واضح فيهما ، نظر إلى تلك التقاطيع جيدا والتي تحمل آثار جرح الحياة وقسوتها قرب وجهه
من وجهها البريء الهادئ الساكن من كل حركة واستسلى بصوت صاخب حتى تصاعد الدم
إلى محياه ، أحتقر نفسي لأنني وحش ضاري افترست بكل بساطة ضحيتي الضعيفة، أعماني
الغضب فاستمدت من ضعفي القوة ومن التخاذل الجرأة।

تفحص أولاده الثلاثة بخجل .... بالله عليكم أنت يا علاء ويا عليا ويا فاطمة ارحموا شقائي،
أشفقوا من حالي فالشك ذهب بلبي ، سحق قلبي وأضناني ، حتى فكرت في الجريمة و في
لمحة بصر أما اللحظة اشعر بالحزن وقلبي يخفق خفقات الشجن وصدري يتمزق من الأسى ،
أجل احتقر نفسي لتصرفي الشائن و الغير مسؤول.
اهتزت يداه وتقلصت عضلاته،شحب وجهه وغامت عيناه حتى أصبح منظره يستدر الشفقة
والرثاء، لحظة قدوم رجال الأمن للقبض عليه ارتعش وارتعد وزاغت عيناه لآخر مرة على
جثة زوجته فوجدها تتنحب كما لا يتنحب حيا، دقائق هائلة صرخ فيها يا للقدر ويا للحكمة
الربانية يا لتهكم الحياة ويا لسخرية الدنيا... أرقدي يا رقية رقدة الراحة واهجعي هجعة
الهناء بعد العناء الطويل، مثواك الجنة وستظلين سري الدفين وكنزي الثمين الذي
لم أكتشفه قبل الآن।

ليست هناك تعليقات: