30‏/03‏/2008

نصيحة أم ترهيب مستتر


ملت من الانتظار وهي غارقة في جملة من ا لهواجس... والارتباك ظاهر على محياها، نهضت مفزوعة من مكانها مباشرة إلى الشرفة لتعرف من الطارق، وإذا بسيارة الشرطة متوقفة أمام المدخل الرئيسي لإقامتها و احد الضباط يده على زر الجرس وبمجرد ما أن جاء نظره عليها حتى أمرها بمرافقته...استغربت من لهجة كلامه لكنها كانت تتوقع حضورهم في أي لحظة।


تجلدت وتشجعت رغم المخاوف التي تراكمت في ذهنها،و امتثلت للأمر ورافقتهم ... بينما هي غارقة في التأمل أمرها الضابط بالنزول من سيارة الشرطة، أجفلت وسارت بخطى ثابتة نحو المدخل الرئيسي لمصلحة أمن الدولة।


اضطربت جوارحها حتى كاد الدم يتجمد في عروقها لكن بمجرد ما إن وصلت إلى مكتب رئيس المصلحة المختصة حيث رأته مسترخيا على كرسيه الفخم فانتابها شعور غريب وقد تكون استأنست به وارتاحت لمحياه، فألقت التحية وردها بدوره وقبل أن يأمرها بالجلوس اعتدل في مكانه قائلا لن أخفيك سبب إحضارك إلى هنا... بل الأكثر من هذا أرغب أن أوضح لك الأمور وأنت من يقرر اختيار الصواب والطريق الأصلح ، خصوصا أنت الأعقل ।


- تفضل سيدي بكل فرح
س- ما تقومين به من انحراف سياسي خصوصا انضمامك لتك المنظمات... يسبب استفزازا بل أضرارا فادحة لأمن الوطن واستقراره.
ج- لم أفهم سيدي ... عن أي أضرار تتكلم
س- اقصد ألاعيبك القذرة التي تتجلى في مشاركتك في تلك الاحتجاجات والمظاهرات والمسيرات التي تأجج الوضع وتشحن العقول وتنشر تمرد الأغبياء.
ج- قبل ذي بدأ هل تأذن لي سيدي أن أعبر وأوضح الأمر بكل حرية وفي الأخير لك ما تريد ؟
س- تفضلي، أفصحي عما في جعبتك
ج- لولا معرفتي العميقة وتمحيصي الدقيق في خبايا الأمور لما اقتنعت بانضمامي لتك الجمعيات أو المنظمات كما أسميتها المحبة للسلام والتي يميزها عملها النافع للوطن والآخرين، وحين قررت الالتحاق بركبها لم أجد فيها أي ضرر بل فيها النفع الكبير ولن أتراجع عن قراري لأنني أرى أن موضع الخلل يكمن في هيكلة مؤسسات الدولة وسوء الإدارة لهذا يتوجب البحث عن الدواء الفعال من اجل العلاج وتلك الاحتجاجات أول الخطوات نحو علاج الداء.
س- قد لا أنكر ذلك... لكن أصحاب القرار غاضبون من أعمالكم الغير مسؤولة وما تنتجه من ضغط وإرهاب وشعارات متطرفة وطائشة وأفعال مخزية.
ج- بدوري لا أشك في ذلك سيدي ... وهو المطلب الذي أسعى جادة إليه .
س- هب واقفا من مكانه، منشغلا بإشعال سيجارة، قائلا أن هنا يكمن وجه الغلط والخطأ معا، قد نتفق أحيانا على تشخيص الداء ونختلف في وصف العلاج.
ج- أستبعد سيدي أن يكون بيننا اختلاف في وصف العلاج ... فإذا كانت أوضاع الوطن مختلة فذلك راجع للسياسة الراهنة والسعي وراء التغيير ثم الإصلاح هو الدواء والعلاج الفعال.
س- اقترب منها وتفحص وجهها جيدا بعينيه الجاحدتين وعلامات الامتعاض واضحة على وجهه ، قائلا ما أغباك يا مجنونة... الصراع أكبر مني ومنك بكثير، ومطلبك هذا أشبه بالخيال ... وهل تظنين أننا مستعدون لذلك؟؟؟؟
ج- ما دمنا قررنا العزم سنحاول مرة... مرتين أو حتى مليون مرة ونحن مؤمنين بعدم الإضرار بأحد.
س- أود من صميم قلبي أن تكونوا مستعدين للتغيير، وأن لا ينقلب السحر على الساحر ويزج بكم في الهلاك والخراب وتؤول الأوضاع إلى الاعوجاج المزمن الذي يؤدي حتما إلى الانقسام والفتن والاقتتال وزيادة أحقاد الطامعين .
ج- سيدي ... حتى الحيوانات الضارية لا تؤدي بعضها إلا إذا جاعت، قد تتقاتل على الفريسة فإذا شبعت تآلفت وتكاثفت، عكس الإنسان إذا شبع زاد طمعا وجشعا فيستعبد الملايين و ما أن يتمكن من سدة الحكم يترك جماهيره تموت من الجوع والاضطهاد والحرمان والظلم والحسرة على سوء الاختيار ... إذا أي حكم استبدادي من هذا النوع إذا تولاه رجال مقتدرين عادلين يكون أسهل وأسرع طريق للإصلاح... والمواطنون هم الأشد غيرة على خيرات الوطن وسلامة البلاد لأن سلامته هي أمنهم وراحتهم ومستقبل نسلهم.
س- رد عليها محاولا رسم ابتسامة زائفة ... قائلا، بحكم وظيفتي قد أكون أعلم الناس بالحقائق... صدقيني ... أشكو من شدة الغضب من أفعالك اجل أشكو من تهورك واحتكاكك مع تلك الشرذمة المغرر بها ... كذلك اصطدامك المتكرر والمتعمد وسوء معاملاتك مع المسؤولين عن المصالح الحكومية، رغم أنني ألمس فيك اللحظة أكثر من ذي قبل إخلاص نضالك بل أنت واحدة من الملايين المخلصين لهذا البلد الأمين فتلك التيارات المتشددة والمتشبثة بالأفكار الغربية والغريبة عن مجتمعنا العربي والإسلامي التي ينميها ويدعمها الأعداء هم من لم يتركوا أمور البلاد بخير... بل هم مبعث المتاعب والمشاكل لهذا يوجد الاختلاف بيننا في تشخيص العلاج.
ج – إذا رؤية الفقر والقذارة، البؤس والمرض، الاضطهاد والاستبداد، الظلم والضرر والأخطار... لن ترثي قلوب أصحاب القرار ورجال السياسة الذين قست قلوبهم أصلا، فدفعوا بالملايين إلى تلك المجازر والمخاطر والأضرار... لكن لحظة يا سيدي... نحن نعيش عصر العولمة والحداثة والناس تعلموا بل أدركوا كيف يطالبون بحقوقهم ، وهذا الوقت بالذات هو وقت التغيير والإصلاح، اكثر من هذا هؤلاء الساسة هم من جعلوا آفاق مستقبل الجماهير المستضعفة اسود كالعتمة وأحمر بالدماء والفتن .... هم من انتزعوا الثقة بهم بل دمروها نهائيا وكليا.
س – بعد كل هذا ...لا زلت تتشبثين بعزمك مواصلة المسيرة؟ إذا سوف تتحملين لوحدك شق العناء وأكبر البلاء مادام عقلك أصلب من الصخر. وتأكدي انك مخطأة، بل تأملي جيدا الخطر الذي يهدد مستقبلك ومصالح وطنك... برجاء عودي إلى رشدك قبل فوات الأوان، فلازلت حتى اللحظة مخيرة ... فاختاري لنفسك ما يحلو وقد أعذر من أنذر.
ج – لا شيء يعجب المسؤولين الأمنيين ولا أصحاب القرار، قد تكمموا أفواهنا أكثر مما انتم فاعلون بنا رغم حسن نوايانا التي تتجسد علنا من خلال سعينا وراء التغيير والإصلاح... لكن هيهات أن تتحقق الرغبات لكلا الطرفين بسهولة.
س – إذا كنت ترين من حقك كيل التهم للوطن ولسدة الحكم ولجهازها الأمني وتتمادين في التخريب وتتحدين القوانين فالواجب الضروري على هذا الجهاز الذي يضحي براحته ويسهر على امن البلد أن يعاقبك ويطاردك بشتى الوسائل حتى تعودي ومن معك إلى الرشد والصواب.
ج – يا سيدي الفاضل نحن نسعى وراء الإصلاح من خلال لفت أنظار أصحاب القرار كي يعاد النظر في تلك القوانين التي استمرت بالوراثة والتي أكل عليها الدهر وشرب ولم تعد تعطي أكلها في القرن الواحد والعشرين وما تحقق من تقدم
أكررها قد أعذر من انذر .... تفضلي بالانصراف
ج- شكرا سيدي على سعة صدرك
س – آمل أن لا نلتقي قريبا في نفس المكان ... وقد يكون تشريفك مختلفا تماما.
ج – آمل ذلك لكنه أمر مستبعد جدااااا

غادرت المكان محملة برزمة من الأسئلة أثقلت ذهنها المتعب أهمها ما يلي .
- أية إهانة أكثر من هذه الجلسات الترهيبية التي يخضع لها كل من حاول رفع صوته؟؟؟
- أية إهانة أكثر من محاسبة المواطنين لمواقع خطواتهم رغم أن كل شيء عادي في وضع جد عادي وهو الغير عادي في نظر المسؤولين؟؟؟
- أية مهانة أكثر من خرق المسلسل الحقوقي والديمقراطي وانقلاب قانونيهما ضد المواطن الذين يعزز دوما التوافق السياسي ويحاول منح طابع الإصلاحات سلميا وسط ظرفية غير ملائمة ؟؟؟
أيها الجهاز الأمني خفف هنا قليلا من عقدة الوعظ والزجر
أيها الجهاز الأمني جفف دمعنا وارحم ضعفنا فوطنكم وطننا وأمنه أمننا
أيها الجهاز الأمني ارفع عنا قليلا حدة بطشك وقهرك
أيها الجهاز الأمني ارفع وصايتك عنا كي لا تسكن الإهانات المتعمدة قلوبنا
- أيها الجهاز الأمني أنت مطالب لتحقيق معايير حقوق المواطن من خلال بذل الجهود الجادة والنافعة التي تحضر العناصر الغائبة واتخاذ القرارات الفعالة التي تنصف الجماهير، فنحن في أمس الحاجة لكلمة واحدة وهي الوحدة في أقسى وأكمل معانيها والتي تتجلى في رفع الظلم والضرر.
20/2/2008

ليست هناك تعليقات: